من هنا نبدأ...الصبر الإيجابي... فلسفة القوة وبناء الإنسان الواعي 

الصبر ليس هروباً من الواقع ولا غطاءً للعجز كما يظنه البعض، بل هو قمة القوة الإنسانية حين

من هنا نبدأ...الصبر الإيجابي... فلسفة القوة وبناء الإنسان الواعي 
من هنا نبدأ...الصبر الإيجابي... فلسفة القوة وبناء الإنسان الواعي 


✍️ بقلم د.م. مدحت يوسف
? نوفمبر ٢٠٢٥

الصبر ليس هروباً من الواقع ولا غطاءً للعجز كما يظنه البعض، بل هو قمة القوة الإنسانية حين تضطرب الظروف وتشتد الأزمات. فالصبر الإيجابي هو وعي عميق وإرادة ثابتة تنبع من الإيمان بأن وراء كل بلاء حكمة، وأن في كل محنة فرصة للنهوض والتغيير. الصبر الحقيقي ليس انتظار الفرج بلا عمل، بل سعي واعٍ وثقة راسخة بأن كل خطوة نحو الخير تُثمر بإذن الله، ولو بعد حين.

لقد رفع الله شأن الصابرين فجعلهم في معيته، فقال تعالى: "إن الله مع الصابرين". هذه المعية الإلهية لا تُمنح لمن يرضى بالهزيمة أو يسكن إلى الألم، بل لمن يُقاتل بصبره، ويصنع من المحنة قوة، ومن الألم طاقة، ومن التأخير دافعاً للاستمرار. فالصبر عبادة عقل وقلب وروح، لا يعرفها إلا من فهم أن التوكل لا يعني التواكل، وأن الثبات لا يعني الجمود.

إن أخطر ما أصاب بعض المفاهيم في مجتمعاتنا هو تحريف معنى الصبر؛ إذ تحوّل عند البعض إلى تبرير للاستسلام أو صمت عن الحق، وكأن الصبر دعوة للضعف لا للقوة. وهذا هو الصبر السلبي، الذي يجعل الإنسان يعيش في دائرة الشكوى والانتظار دون سعي أو وعي. أما الصبر الإيجابي، فهو الذي يوجّه الألم نحو البناء، ويحوّل لحظات الانكسار إلى دروس للنهوض من جديد.

الصبر الإيجابي يعني أن نُحسن إدارة مشاعرنا قبل أن نُحسن التعامل مع المواقف؛ أن نُمسك غضبنا وقت الانفعال، وأن نُحكم عقولنا وقت القرار، وأن نُدير كلماتنا بحكمة في لحظات الخلاف. هو أن نصبر على الطاعة، ونصبر عن المعصية، ونصبر على البلاء بثقة لا تضعف. فالصبر ليس فقط احتمالاً، بل هو توازن بين العقل والإيمان، بين الثقة بالقدر والعمل بالأسباب.

إن من أعظم صور الصبر الإيجابي أن نُحافظ على الأمل في زمن الإحباط، وأن نؤمن بأن الزمن جزء من الحل لا من المشكلة. الصابر الإيجابي لا يقف عند حدود الألم، بل يسير بخطى ثابتة نحو التعافي والتطور. هو إنسان يرى في كل تجربة درساً، وفي كل تأخير لطفاً، وفي كل وجع رسالة.

حين نُغرس مفهوم الصبر الإيجابي في نفوس أبنائنا، فإننا نُخرّج جيلاً قوياً لا تهزه العواصف، ولا تُربكه التحديات. جيلاً يصنع من الصبر منهجاً للحياة، ومن الإيمان وقوداً للاستمرار، ومن العمل طريقاً للإنجاز. فالصبر الإيجابي ليس سكوناً ولا انتظاراً، بل فنّ الوقوف بثبات وسط العاصفة، وإيمانٌ بأن بعد كل ضيقٍ فرج، وبعد كل امتحانٍ انتصار.

الصبر الجميل هو تاج العقلاء، وعنوان النضج الحقيقي للإنسان الواعي. هو أن نصبر ونحن نبتسم، نُخطط، ونسعى بثقة أن الله لن يخذل من صبر وسار على الطريق. فالصبر الإيجابي هو سرّ النهوض بالحياة... وهو أعظم فلسفة تُعلّمنا أن القوة الحقيقية تبدأ من داخلنا، لا من حولنا. ?
@topfans 
خطى الوعي 
DrEng Medhat Youssef Moischool